بسم الله الرحمان الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
ذكر هيرودوتس منذ خمسة وعشرين قرناً أن الحرب هي انتهاك لنظم الطبيعة، وقد تأكدت هذه المقولة عبر التاريخ، حيث دأب الإنسان على استغلال البيئة لمساندته في صراعاته، فسمَّم آبار المياه، وأغرق الأراضي الزراعية، وحفر الخنادق، وأحرق الغابات، وأقام الأسوار العالية، ودمر السدود والجسور، وقد شهد التاريخ الحديث تصعيداً خطيراً لظاهرة الإضرار بالبيئة لتحقيق مآرب عسكرية.
استُخدمت الأسلحة النووية في هيروشيما وناغازاكي، واستُخدم العامل البرتقالي في فيتنام لتعرية الغابات، ثم أُشعِلت آبار النفط بغرض التغطية على حركة الجيوش، كما سُرِّبت الملايين من براميل النفط لإعاقة إنزال بحري أو لإعاقة عمليات توليد الطاقة الكهربائية وتحلية المياه، وهذا أكبر دليل على صحة مقولة هيرودوتس.
كانت الولايات المتحدة قد أعلنت قبل العمليات العسكرية وخلالها عن نيتها استخدام اليورانيوم المستنفد "المنضب" في حربها ضد العراق، مما يجعل احتمالات التلوث البيئي بهذا العنصر الإشعاعي السام واسعة الانتشار، بحيث يصعب فنياً واقتصادياً التخلص منه، وسوف يظل هذا التلوث إلى الأبد، حيث يستغرق الزمن اللازم لتخفيض النشاط الإشعاعي لليورانيوم المستنفد إلى النصف عدة ملايين من السنين. ورغم المزاعم الأمريكية التي تقلل من خطورة هذا العنصر كمادة إشعاعية، فإن خصائصه السمِّية كمعدن ثقيل متفق عليها بين العلماء، حيث تزايدت التشوهات الولادية وأمراض السرطان لدى الأطفال العراقيين بسبب استخدام القوات الأمريكية والبريطانية لليورانيوم المنضب في حربها الأخيرة على العراق.
إشعاعات خطيرة
إن الحقيقة الأكيدة هي أن مادة اليورانيوم المنضب وآثارها الصحية السيئة تبقى مصدر قلق عميق للمجتمع الدولي، وهناك مخاوف كبيرة لدى الأوساط الطبية من ارتفاع مستقبلي حاد وسريع في انتشار الأورام الخبيثة بسبب تعرض أعداد كبيرة من العراقيين لمادة اليورانيوم المنضب، ولا يوجد تفسير لتفشي كل أنواع الأورام السرطانية - بما فيها سرطان الدم أو اللوكيميا - سوى الإشعاعات المنبعثة من هذه المادة.
لقد لاحظت الطواقم الطبية العاملة في جنوب العراق أن حالات السرطان المنتشرة لدى سكان المناطق المحيطة بمدينة البصرة خصوصاً صعبة العلاج وتتطلب عمليات زرع عظام، مشيرة إلى أنه - خلافاً للحالات الأخرى - فإن المرضى لا يستجيبون للعلاج الكيميائي. وما يزيد من تلك المخاوف أن اليورانيوم المنضب استخدم في حرب الخليج الثانية في جنوب العراق، بينما استخدم في الحرب الأخيرة في أكثر المناطق كثافة سكانية في مختلف أنحاء العراق.
ويستخدم اليورانيوم في الصواريخ والقنابل الأمريكية نظراً للقوة الخارقة له بسبب صلابته، فعندما ترتفع حرارته إلى 500 - 600 درجة مئوية يشتعل ويتحول إلى بودرة تدخل صدر الإنسان وتترك آثاراً مخربة للخلايا، وتدخل مع الهواء لتسبب الأذى على المدى الطويل، ليس للإنسان وحده، وإنما لبقية الكائنات الحية من حيوانات ونباتات.
وعندما جرب الأمريكان سلاح اليورانيوم في حرب الخليج الثانية كانوا أول من انكووا بناره، ولايزال حتى الآن عشرات الألوف من جنودهم يعانون من آثارة الخطيرة وبقية الأسلحة التي يجربونها على الشعب العربي وجميعها محرمة دولياً وذات آثار مديدة وطويلة.
اختراق المدرعات
واليورانيوم المنضب أكثف بمرتين ونصف من الفولاذ، وب7ر1 مرة من الرصاص، ما يجعله أكثر قدرة على النفاذ عبر دروع الدبابات الثقيلة مقارنة بالذخائر التقليدية المضادة للدروع. وتعدّ الولايات المتحدة وبريطانيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان تستخدمان اليورانيوم المنضب الذي ينشر - عند اصطدامه بالهدف واحتراق المعدن وتأكسده - غباراً ساماً يتسبب في مشكلات صعبة متعددة. ويقدر مسؤولون في وزارة الدفاع الأمريكية والأمم المتحدة كميات اليورانيوم المنضب التي ألقيت على العراق خلال الحرب الأخيرة بنحو 1100 إلى 1200 طن، مقارنة ب 375 طناً استخدمت في حرب الخليج الثانية عام 1991م، و11طناً خلال حرب كوسوفو عام 1999م، وكميات تقل عن الرقم الأخير استخدمت خلال حرب البوسنة عام 1995م.
ولليورانيوم خاصتان هامتان تجعلانه مهماً في محاربة الدبابات، أولاهما: أنه ثقيل جداً، أثقل من الرصاص مرتين، وبسبب ذلك فإنه يستعمل في صنع غلافات القنابل ويخترق المدرعات؛ أما الصفة الثانية فهي استعمال مادة (ت تنجستن) - وهي مادة ثقيلة مثل الذهب - ومواد ثقيلة جداً، ولكن الفارق أنها قوية. واليورانيوم قابل للاشتعال سريعاً في الهواء ويصبح ساخناً، فالصاروخ يخترق دبابة بسرعة ويخلق كمية من السخونة تصل إلى خمسة آلاف درجة؛ ولهذا استعملت هذه الأسلحة في التسعينيات بشكل عام في حرب الخليج.
يقول الخبير البريطاني (داي وليامز) إن هناك أنواعاً من الرؤوس الحربية، ولكن معظمها يستخدم مواد ثقيلة جداً حتى يمكن أن يخترق تحت الأرض صوب الدشم وإلى الكهوف، وهناك أيضاً رؤوس حربية مصممة كقنابل حارقة - إما من خلال المتفجرات أو من خلال المادة نفسها - فإذا استعملوا اليورانيوم فإنه مادة قوية وقابلة للاشتعال الشديد، وإذا استعملوا رؤوساً حربية من اليورانيوم، فإنها - لأغراض عسكرية - قد تشتعل بحرارة شديدة وتشكل غباراً يرتفع في الهواء وينتشر لعدة كيلومترات في عدة اتجاهات؛ ولليورانيوم أنواع منها: المنضب وغير المنضب.
والقنبلة الموجهة من اليورانيوم تزن ألفي رطل، وهي قديمة، ولكن جرى تحسينها في أواخر التسعينيات حتى تخترق الأهداف الصلبة. وقد حصلت شركة (لوكيد مارتين) على امتياز رأس القنبلة، فالهدف الذي يُضرب بهذه القنبلة يختلف عن القنبلة التقليدية التي تصيب الهدف من أعلى وتخلق فوهة، بينما هذه القنابل تدخل إلى 30 - 40 قدماً، وتخلق فوهة عميقة جداً لأنها تنسف الأرض من أسفل إلى أعلى بدلاً من أعلى إلى أسفل. ولو استخدم اليورانيوم فإن الدخان سيكون أسود وسيكون هناك تلوث حول موقع الهدف، وهذا هو أكسيد اليورانيوم؛ وإذا حصل انفجار تحت الأرض فإنه يدخل في موارد المياه أو ينتشر في الجو لمسافة تتراوح بين 1000 - 2000 قدم؛ وكلما ارتفع في الهواء كلما دفع اليورانيوم إلى مسافة أبعد - حتى عشرة كيلو مترات - اعتماداً على حجم القنبلة. وفي داخل الأرض يكون على شكل مسحوق من الصعب العثور عليه عند لحظة الانفجار، ولذلك فإن كثيرين لا يدركون مدى التلوث في المنطقة.
القنابل الموجهة
تشير التقارير إلى أن اثني عشر طناً - حسب اعتراف وزارة الدفاع الأمريكية - فقط من اليورانيوم تم استخدامها في البلقان، و 300 طن استخدمت في حرب الخليج الأولى ضد العراق. وفيما يتعلق بالبلقان، ذكرت تقارير أن عشرين مليوناً في البلقان أصبحوا مهددين بما يسمى بأعراض أمراض اليورانيوم المنضب.
يقول الخبير البريطاني الدكتور (داي وليامز) إن الحكومة لا تميز بين المدني والعسكري، بل لا يعتقدون أن هذه المواد خطرة، لأن لديهم دعايتهم من البنتاغون التي تقول إن أسلحة اليورانيوم مأمونة، ولكن كثيراً من الأبحاث الطبية في أمريكا وحتى في أوروبا أكدت خطورتها، حتى منظمة الصحة العالمية نظرت إلى أسلحة اليورانيوم ولم تعلن أنها خطيرة وراحوا ينظرون إلى المعلومات الطبية والبيئية في أفغانستان وعلى الأمريكيين أن يجيبوا على الكثير من الأسئلة، وهنا تطرح أسئلة كبيرة حول الحرب في العراق.
هناك قنابل انشطارية صغيرة، وبعضها خطير جداً، والأسلحة الكبيرة هي الصواريخ الموجهة الكبيرة التي أنتجت في السنوات الثلاث الماضية - توماهوك - وغيرها، وقد أعادت الولايات المتحدة بناء مخزونها من الأسلحة، أعادت ألف طن من هذه القنابل الموجهة، وفي العراق كانت الأرضية تستخدم فيها أسلحة تقليدية ضد الدبابات - مثل التي استخدمت في سنة 1991م - وكانت هناك صواريخ موجهة وصواريخ ضد الدبابات وهذه الأسلحة أكبر مما استعمل مائة مرة في حرب 1991م.
وثمة سؤال يُطرح: لماذا ينفي المسؤولون الأمريكيون مخاطر اليورانيوم المنضب؟ وتوضيحاً لذلك، حاول المسؤولون الأمريكيون أن يكذبوا، والسبب في ذلك هو تجنب تحمل أية مسؤولية عن الاستخدام المتعمد لذخائر اليورانيوم المنضب، ليس فقط في العراق والكويت، ولكن أيضاً في البلقان وفي بورتوريكو وفي أو كيناوا وفي كل المواقع المختلفة في الولايات المتحدة، فهم يعتقدون بأن الهدف من الحرب هو القتل والتدمير، وقذائف اليورانيوم قوية وبالغة الفاعلية وتعادل مفعول القنبلة الذرية فيما لو استخدمت في المعركة.
إن القوات الأمريكية استخدمت سلاحاً فتاكاً كفل لها التفوق في معركة المطار التي سبقت دخولها إلى بغداد في التاسع من شهر نيسان، وقد غير الأمريكيون من استراتيجيتهم القتالية في المرحلة الثانية والأخيرة من معركة المطار، ونجحوا في هجومهم، وتمكنوا من إزاحة القوات العراقية من دون قتال حقيقي، وأوضح العسكريون الروس أن القوات الأمريكية استخدمت سلاحاً سرياً وغامضاً أدى إلى نتائج باهرة، حيث كان ذلك السلاح يفصل جلد الجندي العراقي عن عظامه ويتركه محترقاً ليموت خلال ثوان، مشيرين إلى أن عدداً كبيراً من جنود وضباط الحرس الجمهوري هلكوا بهذا السلاح الفتاك الغامض.
قذائف اليورانيوم
يحاول الناس أن يتعرفوا على الأسلحة التي تحتوي على اليورانيوم المنضب، والتي تستخدمها الولايات المتحدة في عدوانها على العراق - مهد الحضارات القديمة - "يريدون بذلك دفن أم الحضارات وأرض الرافدين مع شعبها العربي الأصيل في العراق"، ورغم كل الدراسات والأبحاث التي ظهرت خلال الفترة الماضية، والتي أكدت مخاطر اليورانيوم المنضب، إلا أن البنتاغون أعلن أنه بصدد استخدام قذائف اليورانيوم المنضب في العراق، لأن البنتاغون لا يريد دفن هذا النوع من اليورانيوم الصلب في أراضيه، بل يريد التخلص منه لفاعليته في القتل والتدمير على مدى سنوات بعيدة، وقد ظهرت مذكرة من مختبرات نيومكسيكو تقول: إنه رغم أننا نعرف الآثار الصحية والبيئية، فإننا سنستخدم دائماً هذه القذائف لأنها ذات فاعلية قوية جداً، ولا يجب أن نهتم بالعواقب الصحية والبيئية لها.
إن أول شيء يحدث بعد أول ضربة لليورانيوم، أن كل قذيفة تلوث عديداً من المناطق بالغبار الناتج عنها، إذ إنه يمثل حوالي نصف الكتلة الأصلية، فإذا كان لديك 4500غرام، فإن هناك حوالي 2200غرام منها تنتشر في صورة غبار يلوث المياه والهواء والغذاء، ويصل عن طريق ذلك إلى داخل الجسم، وعندما يحدث هذا تظهر أعراض التسمم والآثار الإشعاعية على الجسم، وأول تلك الآثار هي مشاكل في التنفس، والشعور بوجود التهاب رئوي شديد، ثم تحدث زلة - أي عسر - في التنفس، ثم تزداد كل أنواع المصاعب والمشاكل في الجهاز التنفسي، ثم يظهر الطفح وكأنه يحدث بسبب التسمم المعدني الناتج عن تلوث البيئة به.
أما الأمراض الأساسية التي يسببها اليورانيوم المنضب جراء استنشاقه أو الإصابة به، فهي أنه - بالإضافة إلى مشاكل التنفس - يتسبب في أمراض السرطان، وتبدأ خلال عامين حالات الوفاة بالظهور نتيجة الإصابة بالأمراض التي سببها اليورانيوم، حيث أثبت أيضاً أن هناك آثاراً من اليورانيوم في الأجسام، إضافة إلى تشكل أورام جنينية، والأبحاث التي نشرت تؤكد دائماً أن اليورانيوم الموجود داخل الأنسجة سوف يسبب السرطان، وهذا ما نراه في كل الأماكن التي استخدم فيها اليورانيوم المنضب وأثناء تصنيعه.
لقد أوضح آصف دراكوفيتش - مدير المركز الطبي لأبحاث اليورانيوم في واشنطن وتورنتو ومكتشف أعراض حرب الخليج - كيف يدخل اليورانيوم إلى جسم الإنسان، وأن حكومات الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا لم تفعل شيئاً على الإطلاق لتخفيف تنفس ذرات اليورانيوم إلى جسم. وهناك دراسات في أمريكا عن أثر الشظايا، حيث ظهرت إصابات لجنود أمريكيين وكنديين وبريطانيين، وحسب تقديرات "دراكوفيتش" أن هناك في أمريكا أكثر من ثمانين ألف إصابة من قدماء الحرب الذين تعرضوا لذرات اليورانيوم المستنفد.
واليوم، فإن المشكلة مع اليورانيوم المنضب زادت في العراق باجتماع عوامل عدة، منها: الحصار الاقتصادي الذى كان مفروضاً على العراق، والذي تسبب في زيادة أمراض سوء التغذية، لاسيما أن الحصة الغذائية لا تحتوى على الفيتامينات والبروتينات وبقية الاحتياجات الضرورية للصحة.
وبالاستناد إلى المواثيق والقوانين الدولية التي اعتبرت اليورانيوم المنضب من الأسلحة المناقضة للقوانين الدولية، وهو من أسلحة الدمار الشامل، فإن على الجهات الرسمية وغير الرسمية كلها العمل للمساهمة في تطبيق القوانين الدولية التي تحرم استخدام اليورانيوم المنضب ومحاسبة الذين استخدموه ضد المدنيين في العراق ويوغسلافيا وأفغانستان أو أي بقعة من العالم، واعبتار ذلك من جرائم الإبادة البشرية
منقول..للفائدة