رسم صورة المستقبل .
2- الجنس و التكوين الإثنوغرافي :
حينما نقول أن مجموعة من البشر ينتمون إلى
جنس واحد فهذا يعني أنهم يتصفون بصفات جسمية معينة تميزهم عن غيرهم من
الجماعات البشرية ، و الحقيقة أم مثل هذه الجماعات أو السلالات لا يكاد
يكون له وجود في الوقت الحاضر ، و مع ذلك فإن من الممكن تقسيم البشر إلى
مجموعات بشرية كبرى كالجنس القوقازي و الجنس المغولي و الجنس الزنجي ، لكل
منها صفات خاصة يسهل التعرف عليها .
إن الهجرة المستمرة على نطاق واسع و
الزواج المختلط قد ترتب عليهم اختلاط الشعوب حتى كادت فكرة الجنس أن تصبح
بلا معنى في توزع أو تقسيم المجموعات البشرية على أساس المناطق التي
استقرت فيها أو التي قدمت منها .
إن أي شعب من الشعوب مكون من تضافر عدة
سلالات و امتزاجها و تداخل صفات بعضها في البعض الأخر ، و لا وجود
للسلالات النقية إلا فيما ندر بين أشد الشعوب البدائية في أكثر الأماكن
عزلة عن الاختلاط بغيرها من السلالات ، و هي في النهاية ضئيلة متخلفة
كشمال سيبيريا و التبت و غرب استراليا و شمال كندا .
و مع ذلك فما زال هناك تمييز واضح بين
العرق الأبيض و الأسود و الأصفر ، و وجدود مجموعات بشرية تنتمي إلى هذه
العروق في دولة واحدة و بأعداد كبيرة لا بد أن توجد فيها مشكلات اجتماعية
و اقتصادية و سياسية ، ففي الولايات المتحدة الأمريكية توجد مشكلة الزنوج
و في جنوب إفريقيا مشكلة الملونين .
و تختلف الدول من حيث تكوينها الإثنوغرافي
الذي قد يكون بسيطاً أو ملتئماً أو مركباً . أما التكوين البسيط فهو الذي
لا يلحظ فيه أي تنافر اثنوغرافي فتتمتع الدولة بتجانس كبير رغم تعدد
السلالات التي تكون قد دخلت في تكوين الشعب فالأمة العربية رغم أنها لم
تكوِّن وحدة سياسية واحدة بعد استطاعت أن تصهر العديد من العناصر
الإثنوغرافية خلال تاريخها الطويل ، و لا يقلل من تجانس العرب وجود أقليات
صغيرة تتعرب بسرعة ، و الأمة الفرنسية أمة متجانسة رغم وجود ثلاث من
السلالات الأوربية الرئيسية ممثلة في داخلها ، فقد حدث الانصهار و التمثل
خلال تاريخ طويل بين العنصر الغالي و السلتي و العناصر النوردية ، و
امتزجت الثقافتان الغالية و الرومانية منذ وقت بعيد و كونت أصول الثقافة
الفرنسية الحديثة .
و تظهر قوة الأمة في تمثلها للعناصر التي
تدخل في تكونها ، فالأمة العربية استطاعت حتى في حالات ضعفها السياسي أن
تتمثل العناصر الثقافية الأقدم عهداً كالسريان في بلاد الشام .
و يتمثل التكوين الملتئم في دول العالم
الجديد ، إذ أن من السهل التعرف على عناصر السكان المختلفة دون عناء في أي
وحدة سياسية ، و إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية أقرب هذه الوحدات
إلى التجانس العنصري باستثناء الزنوج ، إذ استطاعت أن تفرض لغة واحدة
المهاجرين إليها و تكوين شخصية أمريكية خاصة بها . و يمكن اعتبار تكوين
البريطانيين ملتئماً ، فهناك ثلاث قوميات لغتها مميزة ، حيث أن لكل منها
لغتها الخاصة و هي الإنكليزية و الغالية و الاسكتلندية .
أما التكوين المركب فهو يميز الدول التي
لم تنضج قومياً بعد ، هذا التكوين يشبه تكوين العناصر التي لم تمتزج بعد و
ما زال كل منها يحتفظ بشخصيته الثقافية بل و ولائه القومي ، لذلك فإن هذا
التكوين يشكل مصدر ضعف للدولة و يخلق لها مشكلة الأقليات .
من الطبيعي أن يكون التركيب المتجانس
للسكان من الناحية العرقية و الإثنوغرافية مصدر قوة للدولة لأنه يجنبها
الكثير من المشاكل العرقية و القومية التي تدعو في بعض الأحيان إلى
الانفصال عن الدولة الأم .
3- اللغة :
لكل أمة مقومات ثقافية ، و تعد اللغة أهم
هذه المقومات إذ أنها تعبر عن آراء الأمة و تحمل تراثها القديم ، بل إن
اللغة وسيلة للتعبير و تشكل عقلية الأمة التي تتحدثها و حاجز اللغة أهم
الحواجز التي تفصل الشعوب عن بعضها .
و في العصر الحالي نجد توافقاً كبيراً بين
المجموعات اللغوية و الوحدات السياسية ، و قد يكون للدولة لغة خاصة بها لا
تشاركها فيها أية دولة أخرى مثل اليابان و السويد و إيران ، بينما توجد
لغتان رسميتان أو أكثر في دولة واحدة كما هي الحال في بلجيكا حيث اللغة
الفرنسية و الفلمنكية ، و سويسرا حيث الألمانية و الفرنسية و الايطالية ،
و من ناحية ثانية قد تتخطى اللغة حواجز الحدود الدولية و تسود في عدة دول
، فالألمانية تسود في ألمانيا و النمسا و جزءاً من سويسرا ، كما تسود
الأسبانية في معظم دول أمريكا اللاتينية ، و تسود اللغة الإنكليزية عدداً
كبيراً من دول العالم خارج بريطانيا و على رأسها دول الكومنولث و الولايات
المتحدة الأمريكية .
و في حالات كثيرة يكون عامل تعدد اللغات
في الوحدة السياسية من العوامل التي تتعارض مع تماسكها ، ولا سيما إذا كان
هذا العدد في اللغة مرتبطاً بالاختلاف العرقي و الثقافي ، ذلك أن اللغة
تقوم بدور أساسي في الجغرافية السياسية الداخلية للدولة باعتبارها وسيلة
للصلات الاجتماعية و نقل الأفكار و تكوين الرأي العام .
و اللغة العربية أقوى دعائم القومية بين
الدول العربية و عنصر هام من عناصر القوة و التماسك في النواحي السياسية و
الاقتصادية ، و تجعل اللغة العربية عنصر السكان متماسكاً بين جميع الدول
العربية بل و تكون حافزاً لإزالة الحدود السياسية المصطنعة و تحقيق الوحدة
القومية الواحدة ذات اللغة الواحدة ، كما هو الحال بالنسبة لغالبية
القوميات في العصر الحديث .
4- الدين :
إن الدين عامل قوي يرتبط في بعض الأحيان
بالقومية ارتباطاً مختلفاً ، و بالرغم من أهميته في بناء المجتمع إلا أنه
في المجتعات الحديثة لا يعد عاملاً حاسماً في تكوين القومية أو الدولة ،
بل إن اللغة هي أعمق أثراً في التمييز بين الشعوب و تكوين الدول ، لا يشذ
عن ذلك سوى اقتران الدين اليهودي بالقومية الصهيونية من ناحية ، و اقتران
الإسلامي بالقومية الباكستانية الجديدة من ناحية أخرى . و هذان هما
الكيانان الوحيدان في العالم ، باستثناء دولة الفاتيكان ، اللذان يقومان
على أساس الدين في الوقت الحاضر ، و على كل حال فإن الدين في وقتنا الحاضر
قد ضعف دوره في توجيه و تسيير السلطة السياسية في الدولة على عكس ما كان
يجري في الماضي حين كان الدين و الدولة شيئاً واحداً ، و كانت السلطة
الدينية و السلطة الدنيوية ممثلتين في الملك أو الرئيس ، فالدول الحديثة
دول علمانية في غالبيتها لا تخضع الحكومة فيها لسلطة الدين ، و إن كان
الدين في كثير منها يلعب دوراً رئيسياً في توجيه الرأي العام ، و قد أصبح
التسامح الديني أمراً مقبولاً و متفقاً عليه في المجتمع الدولي المعاصر ،
و لهذا فكثيراً ما يوجد عدد من العقائد أو المذاهب الدينية جنباً إلى جنب
في تعايش سلمي في إطار دولة واحدة كما كان الأمر عليه في الاتحاد السوفيتي
و كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الحاضر حيث لم يعد
الدين قوة سياسية أو عنصراً قومياً في الدولة .
و إذا كان الدين يدعو إلى التسامح و ترابط
الناس و تعاونهم فإن الفروقات الدينية تسبب في بعض الأحيان تمزق الوحدات
السياسية و إثارة المشكلات بين الدول ، فالعامل الديني يكون محور التجمع و
سبب الانفصال الذي ينتهي إلى أغلبية و أقلية داخل الإطار العام للكيان
البشري . و ربما كانت النماذج التي تعبر عن الأقليات الدينية في دول أوربا
في القرن السابع عشر و الثامن عشر صادقة كل الصدق في قيام النتائج ، فقد
شعر البروتستانت بإحساس الأقلية بين أكثرية كاثوليكية مما دعاهم إلى
الهجرة إلى القارة الأمريكية و هناك أمثلة ليست بقليلة تصور الوجه الكئيب
للفروقات الدينية و المشكلات السياسية و الإنسانية التي نجمت عنها ، مثال
ذلك تقسيم شبه القارة الهندية إلى دول إسلامية و هندوسية ، و الحروب
الأخيرة في لبنان و الفلبين و نيجيريا و يوغسلافيا و التي تأخذ طابعاً
دينياً ظاهرياً على الأقل .
ثالثاً : المقومات الاقتصادية :
يقصد بالمقومات الاقتصادية الفعاليات
الاقتصادية التي يمارسها سكان الدولة من زراعة و صناعة و تجارة ، و دور كل
منها في الإنتاج القومي و القدرة الاقتصادية للبلاد ، كما تبين مدى
الاختلاف و التباين في النشاط الاقتصادي بين مختلف مناطق الدولة ، كما
تبحث في النظام الاقتصادي السائد و طرق المواصلات و وسائط النقل و مدى
كفايتها و توزعها .
إن الغنى الاقتصادي و حجم الثروة القومية
للدولة و حسن استغلال الموارد يحدد قدرة الدولة في المجالات السياسية و
العسكرية ، و بمعنى آخر فإن القوة الاقتصادية هي أداة القوة السياسية .
و في عالمنا المعاصر يعد الإنتاج الصناعي
و لا سيما إنتاج الصناعات الثقيلة أساس الاستقلال الاقتصادي و القوة
الوطنية لما له من تأثير مباشر على تنشيط الحياة الاقتصادية بشكل عام ، و
رفع مستوى معيشة السكان و تشغيلهم ، كما يكّون القاعدة لإنتاج المعدات و
الأجهزة الحربية و هي بهذا المعنى ضرورية لسيادة الدولة و أمنها .
الزراعة :
ليست بأقل شأناً من الصناعة في بناء القوة الوطنية و الكفاية الاقتصادية ،
فبعض الدول الغنية بصناعاتها تعاني من نقص في إنتاج الموارد الغذائية مما
يكّون نقطة ضعف خطيرة تتجلى بشكل خاص في أوقات الأزمات و الحروب ، كما حدث
لبريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية .
هذا و يمكن القول أنه ليست هناك دولة
تتمتع باكتفاء ذاتي من الموارد الغذائية بسبب الظروف المناخي المتباينة من
مكان لآخر على سطح الأرض ، فالدول مهما عظمت مساحتها لا يمكن أن تضم جميع
البيئات المناخية الملائمة لإنتاج جميع أنواع الغذاء الضرورية للإنسان في
الوقت الحاضر .
التجارة الخارجة :
بموادها كالإنتاج الصناعي و الزراعي دليل على ثروة الدولة ، ذلك أنه إذا
لم يكن ثمة فائض من بعض المنتجات الزراعية أو الصناعية أو الثروات
الطبيعية فإن التبادل التجاري مع الدول الأخرى يصبح غير ممكن أو يصبح
عملية خاسرة في غير صالح الدولة .
و من العوامل الاقتصادية الأخرى التي تتحكم في مستوى النشاط الاقتصادي في الدولة حجم أو اتساع السوق المحلية أو الداخلية
، فوجود السوق المحلية من أهم العوامل التي تشجع على الإنتاج الكبير و
المنوع و لا سيما إذا كانت القدرة الشرائية للسكان مرتفعة ، بينما تحد
السوق المحلية الصغيرة من التوسع في الإنتاج ، و قد كان البحث عن الأسواق
خارج الحدود السياسية للدولة السبب الرئيس في نشوء و تطور الاستعمار .
و هناك دول لا تستطيع الوصول باقتصادياتها إلى درجة الكفاية و القوة بسبب طبيعة مواردها الطبيعية ، فالنقص في الموارد الطبيعية
يمثل سبباً رئيسياً في ضعف البناء الاقتصادي للدولة ، و بنفس الوقت توجد
دولاً غنية بالموارد الطبيعية المتنوعة إلا أنها لا تستطيع استغلال هذه
الموارد إلا بالاعتماد على الخبرات و رؤوس الأموال الأجنبية ، و هذا ما
نشاهده بالنسبة لاستغلال النفط و القصدير و النحاس في بلدان العالم النامي
.
الجغرافيا