علم الاقتصاد
التعريف والمحتوى والاهتمامات
قام أنتوان دي مونكريتيان (Antoine De Monchretien)
سنة 1615 بنشر كتابه مبادئ الاقتصاد السياسي (Traité
d’Economie Politique)
الذي قدّم فيه نصائح للملك عن كيفيّة الإثراء ومنذ تلك الحقبة البعيدة نسبيّا
تتالت البحوث والدراسات لتؤسّس حقلا معرفيّا جديدا يدعى علم الاقتصاد وتحد{د مناهجه
ومحتواه.
ومن بين هؤلاء نذكر اثنين فقط : جان بابتيست ساي
(Jean Baptiste
Say)
وأدام سميث (Adam Smith).
فالأوّل نشر سنة 1803 كتابه الشّهير[1]
المتمثّل في شرح كيفيّة تكوّن الثروات وتوزيعها واستهلاكها – أمّا الثّاني فقد نشر
كتابه قبل ذلك بربع قرن سنة 1776 تحت عنوان ثروات الأمم[2].
1- تعريف الاقتصـاد
هناك تعريفات كثيرة للاقتصاد ولكن يصعب عادة إيجاد تعريف شامل يحتوي على كلّ أبعاد
المسألة. فالتعريف يدل على المضمون ويعكس المحتوى. وسنورد هنا بعض التعاريف على
سبيل المثال وسنختار واحدا منها لنلقى مزيدا من الضوء على محتواه. يمكن مثلا تعريف
الاقتصاد بأنّه: 1- دراسة الثروة وكيفية توزيعها.
2
- دراسة المعيشيّة اليومية للأفراد .
3 -
دراسة الأنشطة الاقتصادّيّة والمتعلقة بالإنتاج والتبادل والاستهلاك.
4 –
دراسة التبادل وتكوّن الأسعار
فعلم الاقتصاد يشمل الفعل ذات البعد الإقتصادي ويمكن أن نعرّفه بكونه دراسة كيفيّة تخصيص الموارد الاقتصادية النّادرة أو المحدودة، ذات الاستعمالات
البديلة، لإنتاج سلع وخدمات مختلفة قصد تحقيق أقصى إشباع ممكن لرغبات المجتمع
وتلبية الحاجات الاجتماعية المتعدّدة.
و
يبدو أنّ التعريف الأخير أكثر شمولا ويشمل مختلف الجوانب لذلك سنتوقف قليلا لتبيان
ما ورد فيه وخاصة فيما يتعلق بالموارد الاقتصادية والمشكلة الاقتصادية بصفة عامة.
2 -
شروط الاقتصاد
يرتكز الاقتصاد على ثلاث شروط أساسيّة لابدّ من توفّرها وهي: الماديّة - الندرة –
التبادليّة.
-
الماديّة (Matérialité)
: فالاقتصاد يشمل كلّ ما هو مادّي يمكن اقتناؤه وامتلاكه واستعماله وليس بالضرورة
أن يكون مادّة فخدمات المحامي مثلا غير ملموسة لكنّها محل تداول وتبادل وهناك من
يتحدث عن إقتصاد الرّفاه[3])
فأصل الكلمة الفرنسية يعني نظام المنزل ووصف النشاط المادّي (Ordre
de la maison – Description de l’activité matérielle).
-
الندرة أو القلّة (Rareté)
: كل ما هو نادر ومحدود كّمّا وتوزيعا فهو يهم الاقتصاد الذي يقوم على مفهوم القلّة
وبالتّالي فإنّ الاقتصاد يدرس الندرة وكيفيّة التحكّم والتصرّف فيها.
-
التبادليّة (Echangeabilité)
: لا يقوم الاقتصاد إلاّ على إمكانية التبادل للسّلع ممّا يستوجب حياة جماعيّة
واجتماعيّة تفرض التبادل تجعل الإنسان يعطي ما لديه مقابل ما يبتغيه ولا يمكن له
إنتاجه بمفرده. كذلك فأنّ كلّ ما لا يمكن تبادله لسبب ما فهو لا يدخل تحت طائلة
علم الاقتصاد كالهدايا مثلا أو المعتقدات...
3 -
الموارد الاقتصاديّة وعناصر الإنتاج
يقصد بالموارد الاقتصادية الموارد التي يقع
استخدامها في العملية الإنتاجية وتسمّى عناصر الإنتاج
وهي تتخذ أربعة أشكال أساسية تتلخص فيما يلي :
1 -
العمل أو الموارد البشرية
وهي
تمثل المصدر الرئيسي للقوى العاملة في المجتمع.
2-
الموارد الطبيعيّة أو الأرض
وهي تتمثل في الأراضي الزراعية، والمعادن والثروات النفطية والمائية وغيرها من
الموارد الّتي يمكن أن تستخدم في العملية الإنتاجية. فالأرض تستخدم حتى في توطين
الأنشطة الاقتصاديّة
3-
رأس المال
ويشمل الأموال والمعدات والآلات، والمصانع، والمباني الّتي تساعد في عملية الإنتاج
وبالتالي كل الثروات التي تستخدم في العملية الإنتاجية..
4-
التنظيم
ويتمثل في أخذ المبادرة في جمع وتصور وتنظيم وتنسيق العملية الإنتاجية وحسن استخدام
عناصر الإنتاج المختلفة. ويشمل التنظيم أيضا عملية اختراع واستخدامات أنماط وطرق
جديدة في الإنتاج، ويرى البعض أن التنظيم هو نوع متقدّم من العمل فيدخلونه ضمن
العنصرالإنتاجي الأول
للعمل (أو الموارد البشرية).
وقد يختلف مدى توفر عناصر الإنتاج هذه من مجتمع لآخر ومن نظام لآخر. فبعض المجتمعات
تعتبر غنية لأنها تحظى بنصيب وافر من الموارد الاقتصادية أكثر من غيرها وخاصة
الموارد الطبيعيّة كالفحم والحديد والنفط والغاز والذهب أو الموارد المائية والترب
الجيّدة ولكنها تبقى مسألة نسبية أيضا، فالموارد الإنتاجية محدودة بالنسبة لكل
المجتمعات الغني منها والفقير مع وجود تفاوت كبير بينها. ومن هنا تبرز
المشكلة الاقتصادية التي يحاول علم الاقتصاد
حلّها.
3-
المشكلة أو المسألة الاقتصادية
تتلخص المشكلة الاقتصادية في أمرين رئيسيين :
الأول :
أن الموارد الاقتصادية نادرة أو محدودة حيث إنها لا تتوفر بكميات تكفي لإنتاج كل
السلع والخدمات المرغوب فيها وبالتالي نجد مفهوم القلّة
أو الندرة .
الثاني :
أن الرغبات المادية للإنسان وحاجاته غير محدودة ومتنوّعة. فرغبات المستهلك في
الحصول على مختلف السلع والخدمات غير متناهية ومتنوّعة في نفس الوقت.
من
هنا يتضح أن المشكلة الاقتصادية تبرز بسبب ندرة الموارد الإنتاجية المتوفرة مما
يجعلها لا تكفي لإنتاج كل السلع والخدمات لإشباع حاجات الأفراد ورغباتهم المتعدّدة
والمتنوّعة. وتكمن هنا المشكلة الاقتصادية العمل على ملائمة طرفي المعادلة
الاقتصادية: ندرة الموارد الاقتصادية وتعدّد الحاجات.
إنّ
الرّغبة في الحصول على السلع والخدمات غير محدودة فكلّما حصلنا على بعضها زادت
رغبتنا في الحصول على المزيد منها. ذلك أن الرغبات تتغير مع الزّمن وتزداد تشعبا
وشمولا. والمشكلة الاقتصادية تواجه الدولة كما تواجه الفرد. وهي مشكلة كل نظام
اقتصادي بصرف النظر عن نوعيّة ذلك النظام سواء كان نظاما رأسماليا أو شيوعيا، أو
نظاما مختلطا. ومن هنا نرى أنّه ليس هناك حلّ واحد للمشكلة الاقتصادية بل عدّة
حلول. فكل نظام يحاول أن يحل هذه المشكلة بطريقته الخاصة حسب فلسفة محدّدة وحسب
ثقافة المجتمع وتراثه وتركيبته السّياسيّة والاجتماعيّة. بمعنى آخر، فإنّ كل نظام
اقتصادي يحاول أن يجيب على الأسئلة الثلاثة التالية بطريقته الخاصة وهي:
أوّلا:
ما هي السلع التي ستنتج ؟ وبأي مقدار؟
ثانيا:
كيف ستنتج هذه السلع؟
ثالثا:
لمن
ستنتج هذه السلع؟ أي كيف سيتم توزيع السلع والخدمات في المجتمع؟
فمثلا في نظام
التخطيط المركزي (الشيوعي) تقوم لجنة مركزية بمهمة تخصيص الموارد،
وتحدد الطريقة الّتي يتمّ بها هذا الاستخدام كما تحدد كيفية توزيع الإنتاج على كافة
قطاعات الاقتصاد وفئات المجتمع.
أمّا في النظام الرأسمال فيقوم السوق بالدور الرئيسي في تخصيص الموارد، فعندما يقبل
المستهلكون على شراء سلعة معينة يرتفع سعرها، ممّا يعطي إشارة للمنتجين بإنتاج أكبر
وتسويق تلك السلعة، وبذلك تنتقل الموارد تلقائيا إلى حقل الإنتاج. وبين هذين
النظامين هناك صور متعددة من تدخّل الدولة لتوجيه استخدام الموارد الاقتصادية
لإنتاج السلع والخدمات وقبل أن نتطرق لبعض المفاهيم الاقتصادية الأخرى سنستعرض
طريقة التحليل الاقتصادي وما نعنيه بالنظرية الاقتصادية.
4 –
بعض المصطلحات الأساسيّة
كل
علم يرتكز ويستعمل عددا من المصطلحات لا بدّ من الإلمام بها لكي تسهل عمليّة
المعرفة. من بين هذه المصطلحات سنتوقّف عند بعضها:
- الاقتصاد السّياسي: هو علم الاختيارات
يدرس السلوك البشري كعالقة بين الأهداف والوسائل المحدودة ذات الاستعمال المتعدّد[4].
-
السّياسة الاقتصاديّة : هي الإستراتيجية
المتوخّاة للوصول إلى الأهداف المرسومة انطلاقا من ثلاثيّة – تحليل – مرجعيّة –
إستراتيجيا تتمثّل في تحليل الوضع وإعداد كشف يمكّن من تحديد الأهداف وبالتّالي
الوسائل والإجراءات والصّيغ الموظّفة لبلوغها.
5 –
فروع الاقتصاد
يتفرّع علم الاقتصاد إلى عدّة حقول فرعيّة بموازاة مع تطوّر المعرفة وتشعّب مشاغل
الإنسان والمجتمعات لكنّنا يمكن أن نتوقّف عند الفروع الكبرى فنجد مثلا الاقتصاد
الكلّي والاقتصاد الجزئي والاقتصاد القياسي والتخطيط والتصرّف والتنمية...
الاقتصاد الكلّي (Macroéconomie):
هو علم يدرس المجموعات الكبرى والمؤشّرات العامّة
للاقتصاد على مستوى القطر أو المنطقة أو المدينة فنتحدّث عن البطالة والنقد والدّخل
والأسعار والاستثمار وغيرها من المؤشّرات.
-
الاقتصاد الجزئي (Microéconomie)
: يتناول سلوك الأطراف الاقتصاديّة ويقتصر على مستوى العناصر كالمؤسّسة
والدّولة والأسرة.
-
الاقتصاد القياسي (Econométrie)
: يتمثّل في مجموعة المناهج والأساليب الكمّية التي تهدف إلى تحديدي وقيس
المعطيات والمتغيّرات وعلاقاتها ببعضها البعض فهو يشكّل علم القيس والتكميم.
-
اقتصاد التنمية ويضمّ مجموعة النظريات والنماذج
والآليات المستخدمة بهدف التنمية الاقتصادية على مستوى قطر أو منطقة محدّدة
كالمدينة أو العالم.
- التخطيط (Planification)
: يتمثّل في القيام ببرمجة مختلف العمليات المزمع القيام بها في الزمان والمكان قصد
الوصول إلى مستوى أكبر من التطوّر في إطار خطّة متكاملة ودقيقة تحدّد الأهداف
والوسائل والأطراف المعنية والتوقيت. كما يهم مختلف النظريات والنماذج المطروحة أو
المستخدمة لهذه الأغراض.
-
الاقتصاد المجالي (Economie
spatiale)
: هو الفرع الذي يهتمّ بالمجال من حيث هو منتوج اقتصادي يتميّز بالندرة وبالتّالي
له تبعات على التّوطّن والتفاعل المجاليين. والعديد من النماذج والنظريات التي
يستعملها الجغرافي متأتّية من الاقتصاد المجالي نذكر منها نظريات لوش أو فيبر.